الجمعة 18 نوفمبر 2022 10:49 م بتوقيت القدس
عاد الحديث مجددا عن طرح شركات القوات المسلحة المصرية في البورصة، إلى الواجهة، عقب اجتماع لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بقيادات عسكرية في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي.
وجاء الحديث مجددا عن طرح شركات الجيش بالبورصة، في توقيت تحتاج فيه البلاد للحصول على تمويل بنحو 28 مليار جنيه لتسديد خدمة الدين الخارجي الذي تعدى 155 مليار دولار في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
والثلاثاء الماضي، اجتمع السيسي، برئيس الوزراء مصطفى مدبولي، و4 قيادات عسكرية لاستعراض “موقف طرح الشركات التابعة لجهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش للتداول في البورصة”، وفق تأكيد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بسام راضي.
الاجتماع الذي غلبت عليه الصفة العسكرية، ضم رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة اللواء أحمد الشاذلي، ومدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية اللواء وليد أبو المجد، ورئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للبترول اللواء محمد أنور، ورئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية “صافي” اللواء ياسر الجمل.
“عجز السيسي”
وبالتزامن مع اجتماع السيسي بالقيادات العسكرية، نشر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط مقابلة للباحث الرئيسي بالمركز يزيد صايغ تحت عنوان: “أنشطة الشركات العسكرية مستمرة”، قال فيها إن “ثمة شكوكا قوية بأن يتمكن السيسي من إزاحة المؤسسة العسكرية النافذة والمتخندقة، والتي عطلت في أكثر من مناسبة استثمارات كبرى حتى من جانب الإمارات التي تُعَدّ من الحلفاء السياسيين الأقرب إلى السيسي، وقاومت الضغوط التي مارسها رئيس النظام المصري على مدى ست سنوات لفتح الشركات العسكرية أمام مستثمري القطاع الخاص”.
وحول مدى تأثير طرح شركات تابعة للجيش المصري في البورصة وإمكانية أن يحدث ذلك تحولا في المشهد الاقتصادي بمصر، أضاف: “تردد القوات المسلحة في توفير مستوى الإفصاح المالي الضروري أو في السماح لمالكي الأسهم بأن يكون لهم رأي في كيفية إدارة الشركات أو تحديد استثماراتها وتقاسمها للأرباح، يؤدي إلى فقدان الاهتمام حتى من جانب ما يسمى بالمستثمرين الاستراتيجيين في الإمارات والسعودية”.
وأكد صايغ أن الشهيّة العسكرية المتزايدة واضحة للعيان من خلال امتداد السلوك الافتراسي المتعاظم الذي يلجأ إليه الضباط في الخدمة الفعلية والمتقاعدون خارج الشركات العسكرية المسجّلة رسميًا. ويشمل ذلك الاستحواذ بالإكراه على الأسهم أو العضوية في مجالس الإدارة في شركات مدنية ناشئة، بالإضافة إلى ضلوعهم منذ وقت طويل في المضاربات العقارية بفضل المعلومات الداخلية التي يحصلون عليها بحكم سيطرة المؤسسة العسكرية رسميًا على عملية منح التراخيص للجهات المدنية — الخاصة أو العامة — لاستخدام أراضي الدولة.
“إمبراطورية الجيش”
حصة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري واسعة، وتتمثل في إنتاج السلع كالحديد والأسمنت ومواد البناء والمحاجر، والسلع الاستهلاكية المعمرة والملابس، والمواد، والأغذية والمشروبات والتبغ، والسيارات وقطع الغيار، والبيع بالتجزئة، والإعلام والترفيه، وأشباه الموصّلات ومعدّات أنظمة النقل الذكية، والمعدّات الصلبة والتجهيزات التكنولوجية.
وفي تموز/ يوليو 2021، طالب صندوق النقد الدولي مصر بإدراج الشركات العسكرية لشركات القطاع العام، وتركيز أملاك الدولة بكيان واحد، وإخضاعها للتنظيمات الحكومية المعيارية المتعلقة بالمشتريات العامة، والإبلاغ المالي، والكشف عن الإيرادات، وهو بعض ما تطالب به المعارضة المصرية، لإنقاذ اقتصاد البلاد.
وأطلق السيسي، فكرة طرح حصص للشركات العسكرية في البورصة المصرية في آب/ أغسطس 2018، والتزم صندوق مصر السيادي، في شباط/ فبراير 2020، بتجهيز 10 شركات عسكرية للتسويق والاستثمار، وهو ما لم يتم حتى اليوم.
لكن، ما طرحه الباحث في كارنيغي، بشأن عدم قدرة حكومة السيسي على الحد من تدخل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، وطرحها شركتين أو 4 على أقصى تقدير من نحو 72 شركة تابعة للجيش وبحصص غير معلومة، يدعو للتساؤل حول حقيقة رؤيته.
كما يدفع أيضا، للتساؤل بشأن عدم تمسك صندوق النقد الدولي هذه المرة مع القرض الأخير بشرطه بشأن طرح شركات الجيش للبيع، وفق تأكيد صايغ، مع التساؤل كذلك عن احتمالات أن ينصاع الجيش ويقبل بيع شركاته والنسب المتوقعة للطرح.
“ضغوط عسكرية”
وفي إجابته على تلك التساؤلات، أكد الخبير المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال، وجود ضغوط من المؤسسة العسكرية على مؤسسة الرئاسة لعدم المس بأي شكل من الأشكال لامتيازات القوات المسلحة، أو (عرق الجيش) كما قال مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية اللواء محمود نصر، عام 2012.
وأوضح جمال، أن “السيسي يناور لترضية كافة الأطراف، سواء الجيش أو الداعمين الإقليميين والدوليين وعلى رأسهم دولة الإمارات (تضع عيونها على بعض أصول الجيش وخاصة شركة وطنية)”.
وأضاف: “المرجح بل المؤكد بالنسبة لي؛ أن الجيش لن يتراجع قيد أنملة عن امتيازاته الاقتصادية التي توسعت بشكل كبير بعد عام 2013″، مبينا أن “الجيش تحول من وضعية لاعب كبير في الملف الاقتصادي إلى وضعية الفاعل المهيمن والمسيطر على الحياة الاقتصادية”.
وتابع: “السيسي، يعلم أن إرضاء الجيش هو العامل الأساسي لبقائه في الحكم، وهو حريص على توسع امتيازات الجيش لكسب ولائه أكبر فترة ممكنة، والجيش من زاوية أخرى لن يتنازل أو يتراجع عن امتيازاته”.
ويعتقد جمال، أن “موضوع طرح الشركتين الذي عاد من جديد بناء على تصريح بسام راضي، مجرد إجراءات شكلية صورية لإرضاء الأطراف الداعمة ولكن لن يتبلور عنها شيء حقيقي على الأرض حتى لو تم طرحها بالفعل”.
“الحاكم الفعلي”
واعتبر ضابط الجيش المصري السابق، عمرو عادل، أن المؤسسة العسكرية المصرية هي الحاكم الفعلي للبلاد، مؤكدا أن السيسي لا يملك الضغط على هذه المؤسسة، ومن يملك ذلك هي القوى الخارجية بأشكالها المتنوعة سواء صندوق النقد الدولي أم القوى الكبرى المرتبطة بالنظام العسكري.
واستبعد عادل، أن يتنازل الجيش عن إمبراطوريته الاقتصادية. كما استبعد تحقق مطالب صندوق النقد الدولي بضرورة وجود محاسبة ضريبية وجمركية لشركات الجيش بجانب رقابة برلمانية ومن الجهات الرقابية عليها، ودمج موازنات البلاد في جهة واحدة.
وقال: “لا أتوقع حدوث تغيير يذكر سواء الآن أو لاحقا في سيطرة الجيش على الاقتصاد؛ وربما أدعي أنها ستزيد وتتوغل أكثر، كما أن المحاسبات الضريبية والجمركية لمؤسسات الجيش هي ضرب من الخيال والأحلام اللطيفة”.
وأشار الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف، إلى أن “الجنرال السيسي، ليس لديه حزب سياسي أو ظهير شعبي، وحزبه وظهيره هو المؤسسة العسكرية”.
وقال،”السيسي بدأ جمهوريته الجديدة عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، بتمكين المؤسسة العسكرية من مفاصل الاقتصاد، وشرعن وجودها اقتصاديا بترسانة قوانين غير مسبوقة ومحصنة من الطعن عليها”.
وأضاف: “وعليه فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قبلا ضغوطا من قوى إقليمية (الإمارات وإسرائيل)، ودولية من أمريكا (البنتاغون يتولى الملف المصري وليس البيت الأبيض ولا الخارجية الأمريكية)، وذلك حتى لا يتم ممارسة ضغوط أكثر على الجنرال السيسي”.
“بين نارين”
وأوضح يوسف أن السيسي “بين نارين؛ إما المواجهة مع ظهيره الأوحد، وهو المؤسسة العسكرية، أو عدم منح قروض لمصر، ومن ثم تخلفها عن سداد الديون، والقرب من إعلان الإفلاس نظرا للسياسة الاقتصادية الفاشلة بامتياز التي تدار بها مصر من قبل الجنرال والمؤسسة العسكرية”.
وتابع: “وبالتالي، تدخل مصر بموجة احتجاجات وانفجار مجتمعي يُطيح بالسيسي، ويعيد شبح الربيع العربي الذي تخشاه الإمارات وإسرائيل؛ ومن ثم كان القرار بإعطاء مصر قرضا بسيطا والتغاضي عن طرح شركات المؤسسة العسكرية بالبورصة والتغاضي عن إدماج هذه الشركات بالموازنة العامة للدولة”.
ويرى يوسف أن ذلك “على أمل إقناع السيسي، للجنرالات بالتغاضي عن 2 إلى 4 شركات، على أقصى تقدير، مع بيع عشرات الشركات المملوكة للدولة لتغطية العجوزات المتفاقمة والديون المتراكمة خلال عامي 2023 و2024”.
وأكد يوسف، أن الوضع في مصر “ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية قريبة للغاية؛ حيث أن هناك إحجاما حقيقيا من المستثمرين الدوليين الحقيقيين، وفقط هناك استثمارات بقطاع الطاقة بشقيها، النفط والغاز أو الطاقة المتجددة، أو استثمارات موجهة من السعودية والإمارات، لشراء شركات وليس لإنشاء شركات أو مشروعات جديدة”.