السبت 24 ديسمبر 2022 18:01 م بتوقيت القدس
تلقى الاقتصاد المصري دفعة قوية أزاحته عن الانزلاق في هاوية الإفلاس بعد موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على اتفاق موسع مدته 46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار بعد مفاوضات شاقة وصعبة امتدت نحو 10 شهور بسبب فشلها في الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية.
وقال الصندوق في بيان، الجمعة، إن القرار يتيح صرف 347 مليون دولار لمصر على الفور، وهو أقل من المبلغ الذي توقعه وزير مالية مصر في وقت سابق عندما توقع أن تصل قيمة الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد إلى 750 مليون دولار.
وأوضح البيان أنه من المتوقع أن يؤدي تسهيل الصندوق الموسع “إي إف إف” (EFF) إلى تحفيز تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، وهو أكثر من المبلغ المتوقع الذي كان 9 مليارات دولار.
ولكنه اشترط العديد من الشروط من أجل المساعدة في استكمال صرف القرض بعد نكوص مصر عن الالتزام بتعهداتها للصندوق لإصلاح الاقتصاد الذي يهيمن عليه الجيش، من بينها التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن.
وشدد على ضرورة القيام بإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة في إشارة إلى دور القوات المسلحة في السيطرة على مفاصل الاقتصاد، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة..
إلى جانب خفض معدلات التضخم تدريجيا، وإلغاء دعم برامج الإقراض منخفضة التكلفة والضبط المالي وإدارة الدين لضمان تراجع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي واحتواء إجمالي الاحتياجات التمويلية.
ولجأت الحكومة المصرية إلى اتخاذ قرارات قاسية من أجل الحصول على موافقة مبدئية من صندوق النقد، على رأسها اعتماد سعر صرف مرن للجنيه، ما أدى إلى هبوطه إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العملة والأسوأ من بين عملات الأسواق الناشئة ما أدى إلى حدوث قفزة في التضخم، وغلاء الأسعار، وشح البضائع، وزيادة العائد على الودائع برفع الفائدة مجددا 2%، وتسهيل إجراءات بيع شركات الدولة والجيش بالسوق للمستثمرين.
قفز التضخم إلى 19.2% خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهوى الجنيه المصري إلى 24.74 جنيه في البنك المركزي المصري فيما تجاوز حدود الـ33 جنيها للدولار في السوق السوداء بحسب متعاملين تحدثوا إلى “عربي21” في ظل شح الموارد الدولارية.
رأى أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية، مصطفى شاهين، أن “قرض صندوق النقد الدولي هو خطوة لإنعاش الاقتصاد المصري، ولكنه لن ينتشل مصر من أزمتها الاقتصادية؛ لأن حجم ديون والتزامات مصر أكبر بكثير من القرض أو من حزمة التحفيز المتوقعة، ولم يسبق في تاريخ البلاد أن يصل حجم الفجوة بين الدولار في البنوك والسوق الموازي إلى هذه الدرجة”.
وأضاف، أن “الأزمة لن يحلها سعر الصرف، وكما يبدو لنا فإن الحكومة تحاول الحصول على قرض من الصندوق خوفا من انكشاف الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، ما يعني عدم القدرة على سداد الديون وأقساطها وهو ما اتضح من خلال تأجيل استحقاق الودائع الخليجية”.
بحسب شاهين فإن “الوضع الاقتصادي في مصر ليس بحاجة إلى قرض بقدر ما هو بحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية ونقدية ومالية تعزز دور القطاع الخاص في المرحلة المقبلة، وتشجع المناخ العام للاستثمار في ظل هيمنة الدولة على الاقتصاد والاعتماد على سياسة الجباية”.
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عدلت وكالة “فيتش” (Fitch) للتصنيف الائتماني، نظرتها المستقبلية لمصر إلى “سلبية”، بعد أن كانت “مستقرة”، وأرجعت ذلك إلى تدهور وضع السيولة الخارجية للبلاد، وتراجع قدرتها على الوصول إلى أسواق السندات.
وكانت وكالة “موديز” (Moody’s) غيرت النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية بدلا من مستقرة، ولكنها أبقت تصنيفها عند “بي 2” (B2)، ولكنها حذرت من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد للمرة الأولى منذ آذار/ مارس 2013.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إن “مصر سوف تستفيد من قرض صندوق النقد الدولي بتحفيز الحكومات الإقليمية ومؤسسات التمويل لمساعدتها بضخ المزيد من مليارات الدولارات كما أوضح البيان، ولكنها تظل غير كافية”.
وأكد، أن “مصر تعاني من فجوة تمويلية ضخمة جدا وغير مسبوقة ولن يساعدها القرض أو القروض الأخرى في سداده، وسيفتح لها الباب للدخول مجددا في أسواق سندات الدين ما يعني زيادة الدين الخارجي واستمرار الأزمة”.
وتوقع نوار أن “يستمر التضخم في الارتفاع خلال الأشهر القليلة المقبلة، وأن يواصل الجنيه رحلة الهبوط خاصة بعد التشديد (في إشارة إلى بيان صندوق النقد الدولي) على اعتماد سعر صرف مرن دائم للجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى”.
وتعاني مصر من فجوة تمويلية تصل إلى 28 مليار دولار حتى نهاية عام 2023 من أجل تمويل ديونها المستحقة، ودفع الفوائد وتمويل عجز الحساب الجاري، وفقا لأبحاث “دويتشه بنك”، مع 20 مليار دولار إضافية مطلوبة في العام التالي.
ورهنت وكالة “بلومبيرغ” انتشال مصر من كبوتها الاقتصادية بتنفيذ أجندة الخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر لتوفير فرص عمل وزيادة الصادرات وسط شكوك من قيام الحكومة المصرية بذلك، مشيرة إلى أن قرض صندوق النقد وحده ليس “كافيا”.