الجمعة 06 يناير 2023 13:18 م بتوقيت القدس
كان ذلك يوم السبت الموافق 31/12/2022 عندما كنا في احتفالية التوقيع على ميثاق السلم الأهلي في بلدة كفر- مندا، تمام الساعة الثالثة عصرا في المركز الجماهيري.
وكان أول المتحدثين رئيس مجلس محلي كفر-مندا (الأستاذ علي خضر زيدان). وعندما تحدث كان صريحا في حديثه، حيث قال صراحة إن هناك جهة رسمية ضغطت عليه حتى لا تقام هذه الاحتفالية في المركز الجماهيري، فرفض طلب هذه الجهة الرسمية، وأكد لها أنه كان ينتظر منها أن ترحب بهذا النشاط، لأنه يدعو إلى مناهضة العنف والى إفشاء التراحم والتغافر والتسامح والمصالحة في مسيرة حياة مجتمعنا بعامة، وفي مسيرة الشباب والطلاب بخاصة، إلا أن تلك الجهة الرسمية تجاهلت ذلك.
ولما شعرت أنها لن تنجح في إلغاء تلك الاحتفالية طلبت منه أن يغيب عنها ولا يشارك فيها، لا سيما وأنه سيشارك (فلانٌ) فيها. فأكد لتلك الجهة الرسمية، أن رئيس مجلس محلي كفر-مندا اسمه (علي خضر زيدان) وليس (س) ولا (ص) من تلك الجهة الرسمية، ولذلك فهو يرفض، من حيث المبدأ، أن تملي عليه هذه الجهة الرسمية أو غيرها، برنامج عمله.
ثم أنهى كلمته وواصلنا برنامج الاحتفالية، وألقيتُ فيها كلمة مطولة أكدتُّ فيها أن لجان إفشاء السلام ليست مُلكا لأحد ولا لحزب ولا لحركة، بل هيئة منبثقة عن لجنة المتابعة العليا، وتعمل تحت سقفها، وستواصل سيرها بلا توقف، واضعة كل العراقيل المفتعلة خلفها. فمن حقنا ومن الواجب علينا في الوقت ذاته أن نسعى إلى تحصين مجتمعنا ضد جائحة العنف، وأن نسعى إلى إقامة لجان إفشاء سلام محلية نسائية وشبابية وطلابية في كل بلدة من بلداتنا على صعيد الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) لإفشاء ثقافة إفشاء السلام والتراحم والتغافر والمصالحة فيما بيننا، لقطع الطريق على من يسعوْن، من بني جلدتنا أو من غيرنا، لإفشاء ثقافة العنف المتوحشة، وإن الذي يحاول عرقلتنا سيفشل بإذن الله تعالى، وسيعَضُّ على أصابعه ندما، ولن يتجرع إلا الحسرة، ولن تطارده إلا الفضيحة، وسيكون حصادُ كيدِه الخيبة، مع التأكيد أنه لما قام بهذا الدور الرديء الطامع بعرقلة مسيرة لجان إفشاء السلام، فهذا يعني أنه يريد لمجتمعنا أن تحرقه نار العنف الأعمى الأصم الأبكم، ويريد لمجتمعنا أن يزداد عدد ضحايا العنف فيه كل عام، وأن يزداد، تبعا لذلك، عددُ أراملنا وأيتامنا ومشردينا، وعدد بيوتنا المحروقة، وعدد سياراتنا المخطوفة، وعدد محلاتنا التجارية المستباحة، وأن يزداد عدد مصابي العنف فينا نزلاء المستشفيات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في الداخل الفلسطيني، وأن يزداد عدد أسرانا الجنائيين نزلاء كل السجون بعد أن دمغهم العنف الخبيث،ـ وجعل من هذا قاتلًا، ومن هذا مرابيًا في السوق السوداء، ومن هذا تاجر مخدرات، ومن هذا مروّجًا للسلاح الفوضوي الملغوم، ومن هذا سِنجيرًا رخيصا تحت الطلب؛ قد يقتل وقد يحرق وقد يسرق وقد يطلق الرصاص على الأقدام فقط، أو على اليدين فقط، أو على الرأس. وقد يروِّع النائمين في بيوتهم ليلا؛ سواء كانوا رُضَّعا، أو أطفالا أو نساء أو طاعنين في السن أو مرضى أنهكهم السرطان أو السكري أو الفشل الكلوي.. إلخ. وأنا على يقين أن كل واحد فينا يحفظ غيبا ما كتبته في هذه السطور السابقة بإيجاز عن كوارث هذا العنف الرهيب، بل حتى أطفالنا الصغار – لو استمعنا لهم – لوجدناهم يتحدثون عن هذا الغول الذي اسمه العنف وعن مآسيه التي تغلغلت فينا حتى النخاع!!
ومع ذلك هناك من هم من بني جلدتنا – وعددهم قليل جدا بحمد الله تعالى – وهناك من غيرنا من يطمعون بعرقلة مسيرة لجان إفشاء السلام!!
وكم كان شجاعا الأستاذ علي خضر زيدان رئيس مجلس محلي كفر- مندا عندما أدلى بأقواله، وكشف عن وجود جهات رسمية ضاغطة حاولت أن تمنعه من المشاركة في احتفالية التوقيع على ميثاق السلم الأهلي في كفر- مندا!!
ولعل ما سمعناه منه يفسر لنا الغموض الذي أحاط بعدد قليل جدا من رؤساء السلطات المحلية العربية الذين كان أمرهم عجبا في كيفية تعاطيهم مع لجان إفشاء السلام ومع نشاطاتها، فأحدهم كان متحمسا جدا لإقامة لجنة إفشاء سلام محلية في بلدته، وقد تحدث لي عن ذلك في لقاء جماهيري جمعني به، وفجأة خبَتْ حماستُه، وما عاد يرد على اتصالنا الهاتفي به منذ أكثر من نصف عام!! وأحدهم شاركنا في اللقاء التأسيسي للجنة إفشاء السلام المحلية في بلده، وألقى كلمة في ذاك اللقاء، دعا فيها إلى ضرورة إسناد مسيرة لجنة إفشاء السلام المحلية في بلده، وفجأة انقطعت كلُّ أخباره، وبات من المستحيل علينا منذ قرابة العام أن ننجح بالاتصال به ولو هاتفيا أو عقد لقاء معه!! وأحدهم منذ عام تقريبا لم يجد وقتا – ولو لدقيقة – أن يرد على مكالمتنا، وأوكل كل ذلك لسكرتيرته التي أدّت دور المماطلة والتسويف!!
ويوم أن أضربُ هذه الأمثلة، فأنا أؤكد في الوقت ذاته أن كل رؤساء السلطات المحلية العربية قد رحبوا بمشروع لجان إفشاء السلام إلا هذا العدد القليل الذي- كما يبدو- قد استجاب لضغوط جهات رسمية منعته من التواصل مع لجان إفشاء السلام!!
وبالمناسبة نحن نحيّي رئيس اللجنة القطرية المحامي مضر يونس الذي ما زلنا نلقى منه كل الدعم في مسيرة لجان إفشاء السلام، ونحيي كل رؤساء السلطات المحلية العربية الذين كانوا ولا يزالون حاضرين في كافة نشاطات لجان إفشاء السلام المحلية والقطرية!!
وها نحن قد دخلنا في عام 2023، وبات واضحا أن موعد انتخابات السلطات المحلية العربية قد اقترب، وما عاد يفصلنا عنه إلا عشرة أشهر فقط، ومن حق كل مرشح للرئاسة في هذه الانتخابات أن يكشف لجمهوره المحلي عن برنامجه الانتخابي، ولذلك أرجو سلفا أن يتضمن كل برنامج انتخابي لكل مرشح للرئاسة فصلا واضحا وعمليا وجادا وبعيدا عن نبرة الشعارات، يبين فيه كيف سيواجه آفة العنف في بلده؟! وما هي الخطوات التي سيقوم بها من أجل ذلك؟! وما هو عدد ونوع الوظائف التي سيعين لها أهل الخبرة والاختصاص بهدف مناهضة العنف في بلده!! وإلا فإن مجرد إطلاق الشعارات البراقة لن يكبح عُنفًا، ولن يُفشي سلامًا ولا تراحمًا، ولن يقيم صلحًا بين أدنى متخاصمين من أهلنا … (يتبع).