السبت 28 يناير 2023 16:23 م بتوقيت القدس
على الرغم من أن اتجاهات الرد الإسرائيلي على عملية إطلاق النار في القدس المحتلة سيحدّدها المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن في اجتماعه الطارئ مساء اليوم السبت؛ فإنه يمكن رسم سيناريوهات لهذا الردّ استناداً إلى طابع موازين القوى داخل الحكومة، ووقع العملية على الجمهور الإسرائيلي، فضلاً عن المحددات التي تفرضها البيئة الدولية التي يفترض أن يراعيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فنظراً للحضور الطاغي للأحزاب والحركات التي تمثل اليمين الديني المتطرف في الحكومة؛ فإن الردود على العملية ستأخذ بالاعتبار توجهات هذه الحركات إزاء الصراع مع الشعب الفلسطيني، لا سيما حركتي “المنعة اليهودية” بقيادة وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، وحركة “الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
فالحركتان تحديداً، اللتان تطالبان بحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني في كل الساحات، وليس بإدارته، ستستغلان العملية في محاولة فرض أجندتهما المتعلقة بالصراع. فكل من سموتريتش وبن غفير سيعمل على دفع مخططاته لضم منطقة “ج”، التي تشكل أكثر من 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، عملياً إلى إسرائيل، عبر إحداث طفرة على المشروع الاستيطاني، وتشريع العشرات من البؤر الاستيطانية التي دشنتها التشكيلات اليهودية من دون الحصول على إذن الحكومة والجيش.
ويشار إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت، مطلع الأسبوع الماضي، أن سموتريتش أعد مخططاً لزيادة عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية إلى مليون، وبناء 18 ألف وحدة سكنية جديدة في المستوطنات.
توسيع الاستيطان
وسيستغل سموتريتش تحديداً قرار نتنياهو منحه صلاحيات الإشراف على الإدارة المدنية المسؤولة عن الإشراف على الاستيطان اليهودي والبناء الفلسطيني في الضفة الغربية، في شنّ حملة تدمير واسعة تستهدف منازل الفلسطينيين في منطقة “ج”، بحجة أنها بنيت من دون إذن جيش الاحتلال.
وقد ينجح سموتريتش في دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بتدمير قرية “الخان الأحمر” الفلسطينية القريبة من القدس، والتي تجنبت الحكومات الإسرائيلية تدميرها خشية ردة فعل المجتمع الدولي. وستوفر العملية فرصاً لتسويغ مواصلة تدمير الوجود الفلسطيني في منطقة “مسافر يطا”، أقصى جنوبي الضفة الغربية، حيث إن جيش الاحتلال شرع منذ ستة أشهر في تدمير المنازل الفلسطينية هناك بحجة أنه يحتاج هذه المنطقة لتدشين قواعد تدريب لقواته.
وسيجد ممثلو اليمين الديني المتطرف في الحكومة دعماً من بعض قيادات “الليكود”، التي تشعر بخيبة أمل بعد استثنائها من الحصول على مواقع في الحكومة الجديدة، لتمرير قرار بضم رسمي لمناطق في الضفة الغربية، وليس ضماً فعلياً فقط. فالنائب عن “الليكود” داني دانون، الذي شغل سابقاً منصب ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، يطالب بضم منطقة “غور الأردن” التي تشكل حوالي 28% من الضفة الغربية، إلى إسرائيل.
وفي المقابل، فإن بن غفير، الذي هاجمه متظاهرون يهود غاضبون الليلة الماضية، واتهموه بالتقصير في أداء مهامه، سيعمل على الدفع نحو إجراءات أمنية وعسكرية قمعية ضد الفلسطينيين.
فبن غفير، الذي سيحاول ترميم صورته أمام قواعده الانتخابية، سيدفع نحو تبني الحكومة مخططه الهادف إلى تغيير أوامر إطلاق النار، بحيث يمنح عناصر الشرطة وجنود الجيش حرية مطلقة في استهداف الفلسطينيين بحجة أنهم يمثلون مصادر تهديد، فضلاً عن عزم بن غفير على تمرير قانون في الكنيست يحصن الجنود وعناصر الشرطة الذين قتلوا فلسطينيين من الملاحقة القانونية.
وستعمل قوى اليمين الديني في الحكومة على توفير ظروف تسمح بزيادة الاستفزازات في المسجد الأقصى، عبر السماح لعناصر جماعات الهيكل بأداء الصلوات التلمودية هناك، لا سيما أن بن غفير يؤيد هذا التوجه.
ويتوقع على نطاق واسع أن تسرّع الحكومة الإسرائيلية من وتيرة تدمير منازل الفلسطينيين الذين شاركوا في تنفيذ عمليات، فضلاً عن اتخاذها خطوات لمحاربة ما تسميه “التحريض الفلسطيني” على العنف.
إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية
ويرجح أن تتخذ حكومة نتنياهو إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، لا سيما مواصلة اقتطاع المخصصات المالية التي تدفعها السلطة لعائلات الشهداء والجرحى والأسرى في سجون الاحتلال، فضلاً عن مواصلة الضغط عليها لمنعها من مواصلة رفع قضايا ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية.
وستستغل الحكومة زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز إلى تل أبيب ورام الله في دفعه لإقناع السلطة بالتراجع عن قرارها وقف التعاون الأمني الذي اتخذته بعد مجزرة جنين.
إجراءات أمنية
أما على صعيد الإجراءات الأمنية المتعلقة بمحاولة تقليص فرص تكرار مثل هذه العمليات، فإن الحكومة الإسرائيلية ستتخذ إجراءات تهدف إلى تقليص قدرة الفلسطينيين على الحركة، وضمن ذلك فصل محافظات الضفة الغربية بعضها عن بعض، وعرقلة الانتقال بينها.
وعلى الرغم من قرار رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد هرتسي هليفي زيادة عدد القوات المتمركزة في الضفة الغربية في أعقاب العملية؛ فإنه لا يُتوقع أن يسفر الأمر عن زيادة الأنشطة العسكرية هناك، لأن عملية القدس حدثت في أوج عمليات الاقتحام اليومية التي تنفذها هذه القوات في جميع مناطق الضفة.
لكن ما تقدم من إجراءات، في حال نفذتها إسرائيل، لن تضمن وقف المزيد من العمليات الفردية على شاكلة عملية القدس. فصنّاع القرار السياسي والعسكري في تل أبيب يدركون أنه لا يمكن الحصول على معلومات استخبارية مسبقة لتوظيفها في إحباط العمليات الفردية قبل أن تنفذ، بخلاف العمليات التي تشرف عليها تنظيمات.
في الوقت ذاته، وكون منفذ العملية يقطن منطقة القدس، التي تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، فإن هذا يعني أنه ليس بوسع الإجراءات الأمنية إحباط مثل هذه العمليات، لا سيما أن المنفذ تمكن من تنفيذ العملية رغم أن شرطة الاحتلال قد أعلنت حالة الاستنفار داخل القدس بعيد مجزرة جنين.
وفي ما يتعلق بتوجهات إسرائيل تجاه قطاع غزة، وطالما أنه لم تثبت أي علاقة تربط منفذ العملية بقطاع غزة، فإن دافعية الحكومة الإسرائيلية لاستهداف القطاع لن تكون كبيرة. لكن في حال تواصلت العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، بحيث تسفر عن أعداد كبيرة من الشهداء كما حدث في مجزرة جنين، ستكون عندها فرص اندلاع تصعيد مع المقاومة في غزة، كبيرة.
وفي كل الأحوال، فإن نتنياهو مطالب، وهو يدير السياسات الأمنية والعسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بأن يراعي توفير الظروف التي تسمح له بتسليط الأضواء على المشروع النووي الإيراني، إذ أعلن أن هدف حكومته الأول يتمثل في منع إيران من الحصول على سلاح نووي؛ ومن الواضح أن تفجير الأوضاع الأمنية في الضفة والقطاع لا يخدم تحقيق هذا الهدف.