قالت صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الأحد، إن الأيام المقبلة قد تشهد مزيدًا من التصعيد خاصة في ظل التوقعات بزيادة عمليات هدم المنازل والاعتقالات والعقوبات الجماعية وإطلاق يد القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ما سيفتح دوائر جديدة تؤجج “دوامة العنف، ويؤدي القتل إلى القتل، والدم بالدم”.
وتعود الصحيفة في تقرير لمراسلها نير حسون، إلى الدائرة الأخيرة التي تتعلق بعملية الحي الاستيطاني نيفيه يعقوب في القدس المحتلة والتي نفذها الشهيد خيري علقم من سكان بلدة الطور، والتي تعود إلى 25 عامًا سابقة حين استشهد جده في الثالث عشر من أيار 1998 على يد مستوطن أثناء توجهه لعمله، ضمن سلسلة عمليات قتل يشتبه بأن نفس المستوطن الذي لم يعتقل حتى الآن قام بها، لافتةً إلى أنه كان “الشاباك” حينها اعتقل ناشط من حركة “كاخ” اليمينية المتطرفة التي كان ينشط فيها إيتامار بن غفير، لكن أطلق سراحه حينها بحجة عدم وجود أدلة.
ويرى حسون في تقريره، أن هدم منازل عوائل منفذي العمليات “عمل شائن من وجهة نظر أخلاقية وقانونية، لأنها من الواضح هدفها معاقبة الأبرياء، بينما يعتقد الجيش الإسرائيلي والشاباك أن الأنقاض تردع الإرهابي التالي وهو ما لم يتحقق، وهو ما يعتقده مسؤولون في المؤسسة العسكرية”.
وقبل فترة قصيرة تم هدم منزل عائلة الشهيد عدي التميمي في مخيم شعفاط، الذي قتل مجندة في عملية إطلاق نار على حاجز شعفاط قبل أن يستشهد في محاولة تنفيذ عملية أخرى عند مستوطنة “معاليه أدوميم”، وخلال عملية الهدم اندلعت مواجهات مع السكان، وقتل الفتى محمد علي (17 عامًا)، وادعت حينها الشرطة الإسرائيلية أنه كان يحمل سلاحًا، وتبين لاحقًا أنه كان “مجرد لعبة”، وقام ما يسمى وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، يوم الخميس الماضي، بمنح شهادات تقدير للجنود الذين قتلوا الفتى، وقدم لهم الدعم الكامل، وقال: “أنا فخور بكم ومعجب بكم وبما تقومون به .. ليس لدي شك في أنه عندما يهددك إرهابي بمسدس، حتى لو ظهر لاحقًا كلعبة، فإنني أقدم لكم الدعم المطلق .. لقد تصرفتم بشكل صحيح”.
ووفقًا للصحيفة، فإن عائلة الفتى محمد علي، ترتبط بعائلة علقم من خلال روابط الدم، وقال أحد أفراد عائلة “علقم” للصحيفة، إن استشهاد الفتى محمد، دفع خيري، لتنفيذ العملية.
وأشارت الصحيفة إلى ما تبع ذلك من إعلان استشهاد الفتى وديع أبو رموز، من سلوان، والعملية التي وقعت بالأمس في الحي وأدت لإصابة مستوطنين، ومنفذها.
ورأت الصحيفة أن قتل الفلسطينيين سيحفز المزيد منهم للقيام بهجمات، وأن قتل اليهود سيدفع حكومة تل أبيب إلى اتخاذ إجراءات عدوانية في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة، ولذلك فإنه سيتم فتح المزيد من دوائر العنف ويتبخر أي أفق للحل.
وفي تقرير تحليلي بالصحيفة، لمراسل الشؤون الفلسطينية جاكي خوري، قال إن تسلسل الأحداث يشير إلى أن ما يجري ليس روتينًا، بل بداية تصعيد يصعب التكهن إلى أين سيصل، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية كالعادة تهتم بعدد القتلى الإسرائيليين والرد على ذلك، بينما لم يحظ تسلسل أعداد الشهداء الفلسطينيين في الضفة والمرتفع جدًا بأي اهتمام حتى في وسائل الإعلام العبرية المشغولة بتغطية قضايا داخلية.
وأشار إلى أن ما جرى في مخيم جنين صباح الخميس الماضي، ولد حالة من الغضب والإحباط في كل زاوية، وكان الجميع يخاف مما سيأتي بما في ذلك السلطة الفلسطينية، وحماس في غزة، وبدا وأن تصريح بن غفير بأننا نقترب من “حارس الأسوار2” ملموسًا لدى الكثيرين.
ولفت إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اجتمع بقيادته وأعلن انتهاء التنسيق الأمني، فيما عمل الوسطاء المصريون جاهدين على محور غزة للسيطرة على رد فعل الفصائل ورد الفعل الإسرائيلي المضاد، وفي رام الله تعرضوا لضغوط من الولايات المتحدة والدول العربية لمنع التصعيد، وحتى مساء الجمعة، بدا أن الأطراف سترد باحتواء الموقف رغم الصور القاسية والغضب الخافت في جنين، واكتفت حماس بالدعوة إلى إشعال الأوضاع في الضفة الغربية، وفي إسرائيل انتقلوا للإعداد لمظاهرات مساء السبت.
ويقول خوري في تقريره التحليلي: “جاء رد الفعل المؤلم على وجه التحديد في منطقة تقع خارج نطاق عمليات عباس وأجهزته الأمنية، بهجمات وقعت في القدس الشرقية، من خلال عمليتي إطلاق نار، الأولى من خيري علقم، والثانية محمد عليات، اللذين لم يكونوا قد ولدا عند اندلاع الانتفاضة الثانية، وتم الإشادة بالاثنين على مواقع التواصل الاجتماعي والفصائل، وأثبتا مدى حالة اليأس لدى هذا الجيل”.
ويضيف: ” لم يعد النشطاء وجيل الشباب الفلسطينيين يؤمنون بالحوار والتنسيق، والحديث عن أفق سياسي يبدو لهم وكأنه حلم كاذب، ومكتب أبو مازن يفهم أيضًا أن أي حديث عن تحرك سياسي لا علاقة له بالواقع، والحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل من جانبها تريد الرد بقسوة على الهجمات، لكن كلاً من بنيامين نتنياهو والمؤسسة الأمنية يدركان أن المزيد من القوة لن يؤدي بالضرورة إلى الهدوء، بل العكس”.
وختم: “أولئك الذين ما زالوا قادرين على لعب دور هم ثلاثة: الإدارة في واشنطن، التي تحتاج إلى الخروج من اللامبالاة وإثبات أنها تختلف في شيء يتجاوز المصطلحات من إدارة ترامب، والملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي .. ولكن كل ما يمكن للمرء أن يسعى لتحقيقه هو العثور على شخص بالغ مسؤول يوقف الدوامة الخطيرة ويمنع المزيد من إراقة الدماء .. الكرة في الواقع في ملعب إسرائيل، لأن إسرائيل في الواقع هي الجانب الأقوى، وإسرائيل هي المنتصر”. وفق تعبيره.