الاربعاء 31 مايو 2023 21:38 م بتوقيت القدس
في واقعة قد تكون هي الأولى، وضعت السلطات المصرية اسم أحد القيادات العسكرية السابقة بالجيش المصري على قائمة الشرطة الدولية “الإنتربول”، وذلك بسبب ما ارتكبته تلك القيادة من جرائم فساد مالي وإداري وتربح من المال العام للدولة المصرية وفقا للاتهامات.
وهو ما يفتح الحديث عن ملف فساد القيادات العسكرية أثناء الخدمة خاصة مع توسع إمبراطورية الجيش الاقتصادية، وذلك بجانب ملفات فساد القيادات العسكرية التي يجري تعيينها بمناصب قيادية وإدارية بالمحافظات والمدن والشركات العامة عقب انتهاء فترات خدمتها بالجيش، والشرطة، أيضا.
“لواء بحري”
وطلب النائب العام المصري حمادة الصاوي، من “الإنتربول” وضع القيادي العسكري السابق، ورئيس مجلس إدارة الشركة “القابضة للنقل البحري والبري”، (يتبعها 5 شركات عامة) اللواء أركان حرب بحري محمد أحمد إبراهيم يوسف، (77 سنة)، على قوائم المطلوبين أمنيا في مصر، بحسب مواقع وصفحات عربية.
الطلب المصري من الشرطة الدولية، يأتي عقب إحالة الضابط الكبير السابق للمحاكمة الجنائية بتهم عقد صفقات غير قانونية وبالأمر المباشر مع المجموعة “الخليجية المصرية للاستثمار”، في القضية رقم 43 لسنة 2023 جنايات أموال عامة عليا.
ما أدى لتربيح الشركة وأحد المسؤولين بها عشرات الملايين من الجنيهات، وإعطاء تعليمات بالتنازل عن الدعاوى القضائية ضد “المجموعة” لمخالفتها تعاقداتها وإهدار ملايين الجنيهات على الخزينة العامة للدولة.
طلبت السلطات المصرية، رسمياً، من “الإنتربول الدولي” وضع القيادي العسكري السابق، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنقل البحري والبري، اللواء أركان حرب بحري محمد أحمد إبراهيم يوسف، 77 سنة، على قوائم المطلوبين أمنياً في مصر.
اللواء المذكور أركان حرب متقاعد وترأس شعبة التسليح البحري بالقوات المسلحة، ونال مناصب قائد قاعدة بورسعيد البحرية، ثم رئيسا لأركان حرب ذات القاعدة، وقائدا للواء الغواصات البحرية المصرية، ثم رئيسا لأركان حرب لواء الغواصات، ورئيسا لقسم العمليات العسكرية والتدريب بلواء الغواصات البحرية المصرية.
طُرحت العديد من التساؤلات، حول دلالة سماح السيسي، علنا بالكشف عن فساد قيادة عسكرية هامة وغير عادية، وما إذا كان السيسي، أراد بذلك إرسال رسائل تخويف للقيادات العسكرية بالجيش وخارجه، والقول لهم إن “ملفات فسادكم عندي” حتى يضمن صمت الجميع وولاءه.
“الفساد المقنن”
وفي إجابته قال رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل: “دعنا أولا، نحدد مجموعة من الثوابت في الحديث عن طبيعة منظومات الفساد بالنظام المصري عموما”.
السياسي المصري، أضاف: “الموظفون والعناصر غير القيادية خارج الجيش هي من تتلقى الرشاوى والعمولات لتسير أمورا قانونية؛ أما صغار ضباط الجيش فليس لهم أي صلاحيات في الغالب ليقوموا بأي أعمال فساد”.
وبالنسبة لكبار القادة في الدولة فأكد أنهم “يقومون بالتلاعب بالمستندات أو استخدام صلاحياتهم لجعل الأمور قانوية”، معتقدا أنه “من النادر أن يتجاوز أحد هذا الأمر”.
عادل، (ضابط الجيش السابق) يرى أنه “فساد متجذر في بنية الدولة، وليس في الأفراد، فهو قانوني ولا يُحاسب عليه أحد، ولا يمكن في الغالب محاسبة أحد إذا تدخل القضاء، لأن كل شيء قانوني”.
وأوضح أن “القليل منهم يتجاوز هذه القواعد؛ وبمعنى أدق يتجاوز حاجز الفساد المقنن ليصل إلى الفساد غير المقنن”، لافتا إلى أنه “بهذه الحالة لو تم كشفه يُحاسب”.
وتابع: “وفي الحقيقة؛ هو وضع نادر، لأن الفساد المقنن كاف للغاية للقيادات لإحداث ثراء كبير”، مبينا أنه “وطوال الوقت من ينكشف أمره في دائرة الفساد غير المقنن يُحاسب”.
وخلص السياسي المصري إلى القول: “لا أعتقد أن الأمر جديد، وليس له علاقة بمسألة كشف ملفات للضباط من السيسي، ولا أرى أنها تحمل رسائل منه لأحد بالجيش”.
ويرى أنه “ربما التوقيت فقط”، ملمحا إلى أن “إظهار الأمر للشعب هو رغبة في محاولة إقناع الداخل والخارج أن ضباط الجيش المسيطرين على البلاد يُحاسبون أيضا، لأنه في الغالب تبقى هذه الأمور غير معلنة”.
وختم بالتأكيد على أن “الفساد المقنن هو الأكثر اتساعا وتطبيقا وهو واسع للغاية ومن يتجاوزه يحاسب”.
“فساد برعاية القادة”
وفي وقت مبكر من حكم المجلس العسكري لمصر عقب ثورة يناير وفي آذار/ مارس 2012، جرى تعيين اللواء يوسف، كوزير مفوض على قطاع الأعمال العام، بمنصب رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنقل البحري والبري.
ونال بعدها العديد من المناصب في هذا القطاع الحيوي، منها رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لميناء الإسكندرية، ونائب رئيس مجلس إدارة هيئة ميناء الإسكندرية، وعضوية المجلس الأعلى للموانئ، ومجلس إدارة الشركة العربية لنقل البترول، ومجلس إدارة شركة الملاحة الوطنية، ولجنة النقل بالمجالس القومية المتخصصة.
والمثير في الأمر، أنه ببحث عن ملف تلك القيادة العسكرية، وجدت منشورا عبر “فيسبوك” بتاريخ 9 آب/ أغسطس 2011، وذلك عقب ثورة يناير 2011، بنحو 8 أشهر، على صفحة تحمل اسم “نادي البحارة- صوت البحرية التجارية”، يتهم اللواء يوسف، بالفساد المالي والإداري.
وأكد المنشور، أنه جرى التقدم بنحو 15 واقعة فساد مالي ومخالفات قانونية ارتكبها اللواء يوسف، في شكوى إلى المجلس العسكري الحاكم (من شباط/ فبراير 2011- حزيران/ يونيو 2012) وبالرغم من ذلك “لم يتم اتخاذ أي موقف أو قرار”.
وأشار المنشور إلى قيام اللواء يوسف، ومعه لواء آخر يدعى اللواء منصور عايد عيد الهلباوي “العضو المتفرغ لشؤون النقل البري”، ببيع “أرض سموحة” الكائنة بمنطقة راقية بمدينة الإسكندرية بيعا غير قانوني وتم خلاله إهدار المال العام بالأرقام.
وإلى جانب 14 مخالفة قانونية أخرى، لفت المنشور إلى أن اللواء يوسف قام بتعيين معظم زملاء دفعته بالقوات البحرية من قادة ولواءات رؤساء بمجالس الإدارات للشركات التابعة دون النظر لمصلحة الشركة.
المثير أنه لم يتم التحقيق مع اللواء يوسف، بل واستمر على رأس عمله، وخرج مرارا عبر الفضائيات المصرية إما مدافعا عن نظام السيسي ومشيدا بقراراته، أو مبررا الصفقات العسكرية البحرية التي يقوم بها.
“أسباب أخرى”
من جانبه، وفي رؤيته للقضية، قال الباحث في الشؤون العسكرية محمود جمال، إن “التعامل مع القيادات العسكرية عندما يكون هناك مشاكل مالية وقضايا فساد تكشفها هيئة المخابرات الحربية يتم التعامل معها بشكل خاص، ويجري التكتم عليها بشكل كبير”.
جمال، أكد أن “هذا حدث في مختلف الأزمنة، ويتم التعامل معها داخل أروقة الجيش، ومن خلال القضاء العسكري، ولا تخرج للعلن بذلك الشكل الذي تم مع لواء أركان حرب يوسف”.
الباحث المصري، ألمح إلى أن “اللواء يوسف، عينه المشير حسين طنطاوي (قائد الجيش في عهد حسني مبارك، ورئيس المجلس العسكري عقب ثورة يناير 2011) الذي تربطه به علاقة وثيقة، وزيرا مفوضا على قطاع الأعمال العام في 2012، حينما كان يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد”.
وفي تقديره يرى جمال، أن “التعامل مع اللواء يوسف، بذلك الشكل ومطالبة الإنتربول وضعه على قائمة المطلوبين، قد يكون وراءها أسباب أخرى غير قضايا الفساد المالي”.
وأوضح أن “رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق هشام جنينة، عندما وضع يده على قضايا (فساد) خاصة بالمؤسسة العسكرية وبعض المنتسبين لها تم التنكيل به، حتى لا تخرج الأمور إلى العلن”.
ويعتقد الباحث العسكري أن “هذا يؤكد أيضا أن هناك أشياء ما وراء الستار، دفعت السيسي، للتعامل مع اللواء يوسف، بهذا الشكل في التوقيت الحالي، وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها العام القادم”.
وقال إن “هناك أسئلة قد تطرحها تلك الواقعة أيضا، منها: هل يأتي التعامل مع اللواء يوسف، من قبل نظام السيسي، في إطار الخلافات المصرية مع بعض دول الخليج، والتي أدت لتوقف الدعم المالي لنظام السيسي، من قبل بعض دول مجلس التعاون الخليجي؟”.
وأشار إلى واقعة سابقة تخص قادة الجيش، وهي “ما يعرف بقضية الراقصة (لوسي أرتين)، والتي خرجت للعلن عام 1993، من قبل صحفيين يتبعون نظام حسني مبارك، وفي وقتها كانت قضية لها سياق آخر يتلخص في الخلاف بين قائد الجيش المشير عبد الحليم أبوغزالة، وحسني مبارك”.
وأضاف أن الهدف “كان التخلص من المشير، وتشويه ذلك الرجل الذي كان يعمل على ملف التصنيع الحربي العسكري، والذي أغضب أمريكا، وأرادت على إثره إخراجه من المشهد العسكري والسياسي بشكل نهائي”.
“الإمارات في المشهد”
رؤية محمود جمال، أيدها الصحفي المصري، عبد الحميد قطب، الذي كتب عبر صفحته بـ”فيسبوك”، أن قصة طلب مصر من الإنتربول وضع قيادي عسكري سابق على قوائم المطلوبين أمنيا ليس بسبب ضياع أموال الدولة.
وأضاف أن “الموضوع أكبر من ذلك؛ ويبدو أن اللواء أركان حرب متهم بإفشاء أسرار عسكرية للإمارات وتمكينها من السيطرة على قطاع النقل والموانئ”، مشيرا في بوست ثان إلى أن اللواء يوسف متواجد في الإمارات.
وخلال العام 2015، فجر ضابط الشرطة السابق، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة، الحديث عن عمليات فساد بأجهزة سيادية مصرية بينها الجيش، قدرت بـ600 مليار جنيه في 3 أعوام فقط، ما دفع السيسي، لإقالته في آذار/ مارس 2016.
وعاد جنينة في شباط/ فبراير 2018، للحديث عن فساد الجهات السيادية المصرية وبينها الجيش، حين أطلق تصريحا صحفيا -تسبب في حبسه 5 سنوات- عن امتلاك رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، وثائق وأدلة تدين الكثير من قيادات الحكم الحالية، وعن ملفات فساد تدين قيادات بارزة، حالية وسابقة، في القوات المسلحة.
ونظر لغياب الشفافية في مصر وحلول البلاد بدرجة متدنية (المركز 130 من بين 180 دولة) في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، وما قبله، فإنه ووفق خبراء اقتصاد مصريين تحدثوا مرارا لـ”عربي21″، هناك صعوبة في معرفة ما يجري من فساد داخل أروقة شركات الجيش.
إلا أن حديث بعض الرتب والدرجات الصغيرة والمجندين الذين يؤدون الخدمة العسكرية يظل هو الباب الوحيد لتأكيد حجم ما يجري من مخالفات مالية وإدارية واعتداء على المال العام من قبل الرتب الصغيرة في الجيش، ومع ذلك يظل حديثا دون توثيق، لخطورة الأمر.
لكن مصادر صحفية، حاولت تقصي بعض الوقائع المتعلقة بقيام بعض القيادات العسكرية السابقة بعمليات فساد في الوظائف القيادية المدنية التي يجري إسنادها لها، وقال مساعد أول سابق بالجيش، لـ”عربي21″، إن “هناك الكثير من المخالفات المالية أراها منذ اليوم الأول لعملي، ولكن لا يمكنني الحديث أو حتى التلميح، لماذا نفعل كذا ولا نفعل كذا؟”، موضحا أن “الإنفاق كبير والهدر أكبر والمزرعة ستخسر”.
صاحب شركة تشييد وبناء، أكد أنه “للحصول على عمل في أي موقع بالعاصمة الإدارية من التابعة للجيش، فإنه يجب عليك أن تدفع للضابط المسؤول عن العمل، والذي يوكل في الغالب أحد المهندسين أو الضباط الصغار في الأمر”.
مدير سابق بالشؤون المالية والإدارية بأحد مجالس مدن محافظة الشرقية، قال، إن “رئيس المدينة لواء سابق، لديه نهم غير عادي على ضرب الأسعار والفواتير وزيادة قيمة التكليفات والأعمال، ومن يخالف يكون مصيره الإهانة، ثم التحقيق والتجريد من المنصب والنفي لوحدة محلية صغيرة كموظف صغير”.