كشف تقرير لموقع “ميدل إيست آي” النقاب عن أن مسجد ديدزبري الذي سلطت عليه وسائل الإعلام الأضواء بسبب تفجيرات مانشستر في عام 2017، وقع ضحية حملة تشهير من تدبير حكومة الإمارات العربية المتحدة.
وذكر التقرير الذي أعده سايمون هوبر، أن مؤسسة استخباراتية سويسرية خاصة استأجرتها أبو ظبي شنت حملة لتدعي زورا وبهتانا أن ثمة علاقة بين الهجوم من جهة وبين المسجد وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
ومركز مانشستر الإسلامي، الذي يعرف أيضاً باسم مسجد ديدزبري، واحد من بين مئات المنظمات والأفراد، الذين جلهم من المسلمين، فيما لا يقل عن 13 بلداً أوروبيا، يقال إنها استهدفت ما بين 2017 و 2020 من قبل المؤسسة السويسرية ألب سيرفيسيز.
جاء تسليط الضوء على تفاصيل ذلك بعد تسريب آلاف الوثائق في بداية الأمر إلى صحيفة فرنسية اسمها ’ميديابارت‘، ثم تبادلها الصحفيون على نطاق واسع في مختلف أرجاء أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.
وتقول ألب سيرفيسز إن الوثائق تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة وإنها ملفقة جزئياً. إلا أن الشركة لم ترد على طلب من موقع “ميدل إيست آي” للتعليق على هذا التقرير حين نشره.
وصرح فوزي حفار، رئيس مجلس إدارة مسجد ديدزبري لموقع “ميدل إيست آي” بأنه لم يفاجأ حين علم أن المسجد كان ضحية حملة تشهير.
وقال إن اسم المسجد وأسماء بعض الأمناء فيه كانت قد ظهرت في وثائق مسربة تم نشرها من قبل وسائل إعلام عربية زعماً بأنها تكشف عن شبكات تدعى ألب سيرفيسز وترتبط بجماعة الإخوان المسلمين.
وقال حفار: “جعلني ذلك أضحك، فأنا بالتأكيد لم أكن يوماً مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين، ولم يحصل ذلك من قبل”.
وأضاف: “تجاهلت الأمر. فأنا لم أعد آبه هذه الأيام لمثل هذه الأمور، فالناس يشهرون بنا طوال الوقت”.
وقال حفار إنه مع ذلك “ضاق خلقاً” بالحملة الإماراتية التي تستهدف المنظمات المسلمة.
وأضاف: “حيثما وجدت مشكلة تجد الإماراتيين هناك، سواء في ليبيا أو في تونس أو في اليمن. حيثما وجدت مشكلة تجدهم يضعون أصبعهم فيها ويثيرون المزيد من المشاكل”.
وفي تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال مصطفى غراف، أحد الأئمة السابقين في المسجد: “لطالما شعرت بأن الحملة التي تشن ضدي في مسجد ديدزبري كانت من تدبير شخص ما لديه أجندة”.
وعزا غراف، الذي ينحدر أصلاً من ليبيا، الحملة إلى كونه يدعم الديمقراطية في ليبيا بينما يدعم الإماراتيون خليفة حفتر، القائد العسكري في الشرق الليبي، الذي لم يزل منذ 2014 يقاتل الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس من أجل السيطرة على البلاد.
ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية أو السفارة الإماراتية في لندن، على طلب موقع ميدل إيست آي التعليق على الموضوع.
“وجهان لعملة واحدة”
خضع مسجد ديدزبري للتحقيق بعد التفجير الذي وقع في مانشستر أرينا في شهر أيار/ مايو من عام 2017 عندما أذيع أن الشخص الذي نفذ عملية التفجير، واسمه سلمان عبيدي، وبعض أفراد عائلته، كانوا يترددون على المسجد.
ثم خلص تحقيق رسمي في وقت مبكر من هذه السنة إلى أن المسجد لم يلعب أي دور في تطرف عبيدي، الرجل البريطاني الليبي الذي يقال إنه لربما قاتل في ليبيا كشاب مراهق ووقع تحت تأثير أفكار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتأثير ما كان لأسرته من ارتباطات بالجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.
إلا أن المسجد ناله نقد في التقرير النهائي حول التحقيق، حيث خلص إلى أن حفار أثناء الإدلاء بشهادته قلل من أهمية ما كان قائماً من ارتباطات قوية بين المسجد وعائلة عبيدي.
وجاء في التقرير أن المسجد كشف عن “قيادة ضعيفة” أخفقت في التعامل مع “البيئة السياسية المسمومة” التي كانت تغذى من قبل الصراع وحالة الاضطراب في ليبيا.
إلا أن حفار صرح لموقع “ميدل إيست آي” بعد نشر التقرير بأنه يعتقد بأن المسجد تعرض للظلم، وتشير الوثائق إلى أن الحملة ضد مسجد ديدزبري بدأت في عام 2018.
وتضمنت نشر عدد من المقالات عبر الإنترنت باللغتين الإنجليزية والفرنسية اعتماداً على هويات مصطنعة تربط زوراً وبهتاناً بين الهجوم وبين المسجد وجماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش.
وجاء في إحدى هذه المقالات أن “الإخوان المسلمين وداعش” وجهان لنفس العملة.
وأضاف كاتب المقال: “بينما يتم الحديث عن ’داعش‘ كما لو كانت ناديا للمعتلين عقلياً، ينضم إليه المقاتلون الشباب الذي يتعرضون لعمليات غسيل دماغ من كافة أنحاء العالم من أجل القيام بفظاعات فوق التصور في أرجاء خلافتها المتهاوية، تقوم جماعة الإخوان المسلمين بالتجنيد له سراً وتزويده بالدعم المطلوب”.
وتأتي إحدى الحكايات عن المسجد باللغة الفرنسية، والتي ظهرت في مدونة تابعة لصحيفة ميديابارت نفسها، ضمن 15 حكاية ما لبثت الصحيفة أن سحبتها من الموقع بعد أن تبين لها أنها من إنتاج حساب مزور.
وتم في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2018 تعديل صفحة في موسوعة ويكيبيديا حول حادثة التفجير في مانشستر، بإضافة قسم تحت عنوان “الارتباطات بجماعة الإخوان المسلمين”.
وقام بتحديث الصفحة مستخدم لم يجر أي أعمال تحريرية أخرى في “ويكيبيديا” ناهيك عن أن صفحة استخدامه لم تعد موجودة.
وفي شهر أيار/ مايو من هذه السنة تم حجب القسم الذي تحتويه الصفحة الإنجليزية، مع أن تكرار الصفحة في وقت النشر كان لا يزال مشتملاً على فقرة من نفس النص وعلى صورة للمسجد.
وتمت إضافة نفس القسم إلى صفحة اللغة الفرنسية في موسوعة ويكيبيديا من خلال اسم مستخدم مختلف، وما زالت الصفحة موجودة.
وفي تقرير حول تقييم الأثر، يعود تاريخه إلى ما بعد نشر المقالات والقيام بالتحديثات في صفحات “ويكيبيديا”، يقول المؤلفون: “بدأنا بكشف الدور الذي لعبته جماعة الإخوان المسلمين في الهجوم”.
وجاء في التقرير أن المعلومات المنشورة كجزء من الحملة، بما في ذلك القسم المتضمن في موسوعة ويكيبيديا، بدأت تظهر في الصفحة الأولى من نتائج البحث عبر “غوغل” حول التفجير.
وقال إن الناس الذي يعملون في الحملة كانوا كذلك “على تواصل سري بصحفيين بريطانيين” وأنهم كذلك “حاولوا بشكل سري جداً إعلام وتحذير هيئة الإشراف على المنظمات الخيرية حول الارتباطات الأخيرة التي كشفنا عنها”.
وقال التقرير الذي تم جمعه كجزء من الحملة: “ينبغي محاسبة الشبكات المتطرفة التابعة للإخوان المسلمين وينبغي حظرها”. وأضاف: “جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية ينبغي وقفها عند حدها”.
وتتضمن الوثائق التي اطلع عليها موقع ميدل إيست آي تفاصيل متاحة للجمهور حول سجلات المسجد المالية.
“محاكمة عبر وسائل الإعلام”
ويبدو أن الحملة بدأت بعد تقرير إخباري بثته مؤسسة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في شهر أغسطس (آب) من عام 2018، وزعم أن غراف دعا في خطبة له في ديسمبر (كانون الأول) من سنة 2016 إلى الجهاد المسلح.
وقد حذر مسؤولو المسجد غراف في وقت الخطبة من أن اللغة التي استخدمها قد يساء تفسيرها.
إلا أن غراف قال إن خطبته كان القصد منها التحفيز على التبرع لهيئة إغاثة سورية كانت تجمع التبرعات في المسجد أثناء وقوع الثوار السوريين في حلب تحت الحصار.
وعلى إثر التقرير الإخباري الذي بثته “بي بي سي”، فإنه تم إخضاعه للتحقيق من قبل المسجد ومن قبل الشرطة، وكانت النتيجة إخلاء ساحته من أي ممارسات خاطئة.
ما لبث غراف أن ترك المسجد في عام 2020 ويعيش الآن في ليبيا.
في شهادة أدلى بها لهيئة التحقيق في انفجار مانشستر أرينا في 2021، قال غراب إنه “تعرض للمحاكمة من قبل وسائل الإعلام” بسبب الخطبة، والتي قال إنها حرفت عن مضمونها لتتناسب مع أجندة أشخاص آخرين”.
وسعت المادة التي أنتجت كجزء من الحملة إلى ربطه باتحاد العلماء المسلمين، وهي منظمة تتخذ من قطر مقراً لها وكان يترأسها حينذاك العالم المصري يوسف القرضاوي، وهي منظمة تصنفها الإمارات العربية المتحدة مجموعة إرهابية وتتهمها بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين.
وتقدم دليلاً على ذلك مشاركة غراف في مؤتمر لاتحاد العلماء المسلمين عقد في إسطنبول في عام 2014. وفي تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال غراف إنه لا يرتبط بجماعة الإخوان المسلمين.
وأضاف: “كواحد من العلماء، تتم دعوتي للمشاركة في بعض النشاطات من حين لآخر حتى أزداد معرفة وعلماً واطلاعاً. ومعروف عني أنني أدعم الحكم الديمقراطي الخاضع للمحاسبة في ليبيا”.
وتابع بأنه “من المعروف أن الإمارات العربية المتحدة تدعم النظام القديم وتدعم حفتر في ليبيا، ولذلك فهم يحاولون تلطيخ سمعة أي شخص في الطرف الآخر من خلال وصمه بالتطرف والإرهاب”.
وتربط الوثائق والمواد المنشورة بين مختلف أعضاء مجلس أمناء المسجد والهيئات الخيرية المحظورة في إسرائيل أو التي تتخذ مقرات لها في قطر، التي كانت حينذاك تحت حصار فرضته عليها كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر.
يبدو أن الحملة تتبع نفس نمط الحالات الأخرى المتداولة، والتي نشرت بشأنها مقالات باسم صحفيين ومدونين زائفين، وكذلك معلومات أضيفت إلى ويكيبيديا في مسعى لتقويض مصداقية الجهات المستهدفة، واتهامها بأن لها ارتباطات مزعومة بجماعية الإخوان المسلمين أو بدولة قطر.
ويشق على المرء تقييم الأثر لأن مسجد ديدزبري كان على أية حال يواجه أسئلة صعبة حول ما الذي كان يعرفه عن عائلة عبيدي وغيرهم من أفراد المجتمع الليبي في مانشستر ممن لديهم علاقة بالحركات المتشددة.
ووجهت لحفار أسئلة حول ما يقال عن وجود ارتباطات للمسجد بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك عندما أدلى بشهادته في عام 2021 في التحقيق حول انفجار مانشستر أرينا.
وقال حفار لهيئة التحقيق: “نحن لا نسمح للجماعات بالمجيء واختطاف مسجدنا”.
وأكد أنه قرأ في الصحافة فقط حول العلاقة المزعومة للمسجد بجماعة الإخوان المسلمين”.
وأضاف: “أنا أعرف أن الناس يقولون ذلك عنا، والناس يقولون أشياء كثيرة عنا، ولكن بإمكاني أن أؤكد لكم، وبإمكاني أن أؤكد للجميع، أن مركز مانشستر الإسلامي مسجد وسطي ينتمي إلى التيار العام”.
وردت الإشارة الوحيدة إلى جماعة الإخوان المسلمين في التقرير النهائي للتحقيق في القسم الذي يفسر السياق الليبي السياسي حيث توصف خلاله بأنها “فصيل إسلامي أكثر اعتدالاً” بالمقارنة مع المجموعات المتشددة، والتي خلص التقرير إلى أنها من المحتمل أن تكون قد وفرت التدريب والخبرة القتالية لسلمان عبيدي.
وفي تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال حفار إن شكوكاً ساورته حول إمكانية أن تفضي مساعي مؤسسة ألب سيرفيسز للحديث مع هيئة الإشراف على العمل الخيري في بريطانيا حول المسجد إلى أي تداعيات.
وقال إن الهيئة كانت قد قامت أصلاً بزيارة المسجد واطلعت على خطة العمل التي وضعها من أجل تحسين أسلوب الإدارة فيه.
وأضاف حفار: “كانت هناك مسألة أو مسألتان. طلبوا منا أن نرتب أوضاعنا ففعلنا”.
وتابع بأنه “لو كان هناك شيء على الإطلاق لواجهتنا به هيئة الإشراف على العمل الخيري في الحال. ولكن في نفس الوقت هم يتسمون بالحكمة. ويدركون أن ثمة من يسعى لتشويه صورتنا”.
وذكر موقع “ميدل إيست آي”، أنه توجه إلى “ويكيميديا فاونديشن”، المنظمة غير الحكومية التي تقف من وراء “ويكيبيديا”، عن ما إذا كانوا على علم بعمليات التحرير التي تجري لمحتوى موسوعة الأونلاين كجزء من حملات التشهير وتلطيخ السمعة التي تنظمها الإمارات العربية المتحدة، وما هي الخطوات التي يتخذونها للحيلولة دون المزيد من سوء استخدام للموقع.
وقال ناطق رسمي باسم المنظمة إن متطوعي “ويكيبيديا” بإمكانهم رفع شكاوى ضد أي انتهاكات بما في ذلك “التخريب المتكرر” واستخدام “الهويات الزائفة” والتحرير مدفوع الأجر غير المعلن عنه، أو حروب التحرير.
وأضاف الناطق أن “المعلومات الخاطئة وعمليات التضليل من القضايا التي تأخذها المنظمة ويأخذها متطوعو ويكيبيديا على محمل الجد، وهناك العديد من الإجراءات المعمول بها لضمان سلامة المعلومة والتعامل مع مثل هذه المشاكل”.
وقال إنه “في بعض الحالات تقوم المنظمة بالتحقيق في القضايا الكبرى التي تتضمن تضليلاً أو بثاً للمحتوى المؤذي قد يجد طريقه إلى صفحات الموقع”.