الاربعاء 01 نوفمبر 2023 22:10 م بتوقيت القدس
لا يزال رجال الإنقاذ في غزّة يزيحون الركام والحطام في مواقع الضربات الجويّة التي يشنّها جيش الاحتلال، والتي راح ضحيّتها آلاف الشهداء، معظمهم من الأطفال والنساء.
خلال هذا العمل المكثّف الذي يقوم به رجال الإنقاذ، تتكشّف أمامهم بعض المشاهد الصعبة، وفي الليلة الماضية، ومع إزالة الركام الذي خلّفه القصف، تبدّى أمامهم رأس وذراع بلا حراك لشخص يمثّل أحدث شهداء القصف.
وعندما أزال رجال الإنقاذ المزيد من الأنقاض، ظهر باقي الجثّة، وهو عضو من عائلة نصر الّتي تعرض منزلها في مدينة خان يونس في جنوب القطاع للقصف في وقت مبكّر من يوم الأربعاء، ممّا أدّى إلى استشهاد تسعة أشخاص حسبما قال سكّان.
وقال جار للعائلة يدعى إياد العتيلي "مات جيراننا. في كلّ مكان تنظر إليه ترى شهيدًا"، مضيفًا أنّ الضربة أيقظته في الساعة الثانية صباحًا قبل أن يتمكّن من الفرار مع زوجته وطفله من المنزل وسط دخان كثيف.
وقالت السلطات الصحّيّة في غزّة إنّ هجوم إسرائيل المتصاعد أدّى إلى استشهاد نحو 8800 فلسطينيّ، معظمهم بسبب الضربات الجوّيّة والمدفعيّة مثل تلك الّتي أصابت منزل عائلة نصر.
وقال جيشش الاحتلال إنّه على الرغم من أنّه طلب من المدنيّين الانتقال جنوبًا، فإنّه سيضرب أيّ هدف لحماس في جميع أنحاء القطاع.
وأصبحت المستشفيات المكتظّة الّتي تفتقر إلى الكهرباء والأدوية ترفض استقبال الجرحى وأصبح حفّارو القبور لا يجدون أماكن لدفن الموتى، ويوم الثلاثاء، قتلت ضربة إسرائيليّة في معسكر جباليا للّاجئين في شمال غزّة العشرات حسبما قالت السلطات الصحّيّة.
وفي المشرحة في خان يونس، حيث نقلت جثامين عائلة نصر الّتي قتلت في مكان آخر من المدينة، وقفت مجموعة من الرجال والأولاد يتطلّعون للمشهد، بينما كانت سيّارات الإسعاف تحضر المزيد من الشهداء، حيث رفعت الجثامين ونقلت إلى المشرحة. وكان صبيّ صغير واقفًا في صمت ينظر من خلال قضبان سور. كان أفراد من أسر بعض القتلى يبكون ويردّدون "بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، وفي الداخل ، أزال العمّال ما على الجثامين من أتربة ودماء قبل وضعها في أكفان بيضاء لنقلها للدفن.
وقال طبيب رفض نشر اسمه خشية التعرّض للانتقام "كلّ يوم هناك قتلى، وفي كلّ يوم بينهم أطفال أو نساء".
وقطعت إسرائيل الكهرباء والمياه والوقود عن غزّة، ولا تصل سوى كمّيّات ضئيلة للغاية من الغذاء والدواء عبر معبر رفح مع مصر، وبسبب نقص البنزين، يستخدم الكثير من الناس عربات تجرّها الدوابّ كسيّارات إسعاف مؤقّتة. وفي خان يونس، كانت فريدة أبو عزم تأخذ زوجها إلى المستشفى لتلقّي العلاج من السرطان. وقالت "هذه هي وسيلة النقل الوحيدة لدينا الآن".
وعلى جانب الطريق وقفت السيّارات وسيّارات الأجرة يغطّي سطحها الغبار. وقال صاحب عربة تجرّها الدوابّ يدعى أكرم القرا، إنّه يسير في طريق منتظم من وسط مدينة خان يونس إلى المستشفى. وأضاف أنّه يتقاضى شيكلًا واحدًا عن كلّ راكب.
ويحاول الكثير من المصابين العثور على مكان لهم في المستشفيات، إلّا أنّهم لا يفلحون بذلك، ويتعيّن على المحظوظين الّذين يجدون سريرًا المغادرة قبل شفائهم.
وقال مدير مستشفى الصداقة التركيّ في شمال غزّة، والّذي يعالج في الغالب مرضى السرطان، يوم الأربعاء إنّ المستشفى خرج من الخدمة بسبب نقص الوقود، فيما تدّعي إسرائيل أنّ هناك ما يكفي من الوقود في غزّة لتزويد المستشفيات.
وفي ملجأ للنازحين في مدرسة تابعة للأمم المتّحدة بخان يونس، وقفت سلوى النجّار بجانب سرير ابنها ماجد، تمسح وجهه، وقالت إنّه لا يمكنه تحريك رأسه بعد إصابته في القصف الإسرائيليّ عندما ذهب مع شقيقه لرعي قطيع العائلة الصغير من الأغنام. واستشهد شقيق ماجد، ولم تتمالك نفسها وصرخت بتألّم عندما أتاها الخبر.
وكان ابن عمّهما قد نقلهما إلى مستشفى الهلال الأحمر في خان يونس، كبرى مدن الجزء الجنوبيّ في الجيب الصغير. لكن أبلغهم القائمون على المستشفى بعدم توفّر مكان، وقالت سلوى النجّار الّتي تورّم وجهها من شدّة البكاء "أين يذهب الناس؟".
وفي الفصل الدراسيّ الّذي يرقد فيه ماجد والّذي تحوّل إلى جناح مستشفى مؤقّت لاستقبال الجرحى، يرقد المرضى على أسرة، ولكن بدون مساعدة طبّيّة مناسبة.
وفي مستشفى ناصر، قال المدير ناهض أبو طعيمة إنّهم يرفضون استقبال المصابين حتّى الّذين يحتاجون إلى تدخّل طبّيّ عاجل. وأضاف "مستشفيات غزّة مكتظّة بالمصابين الّذين يملأون أسرة المستشفى"، ومضى قائلًا إنّ المصابين الّذين يحتاجون إلى إجراء عمليّات جراحيّة متقدّمة "لا يمكن مساعدتهم هنا".